د. نايف عبدالله مخايش

التحول الرقمي | القيادة الرقمية | التقنية

التحول الرقمي  … عودة إلى الأساسيات

“التحول الرقمي” يُعد من أهم التوجهات الحديثة التي أصبحت تقريباً ضمن خطط معظم المنظمات التي تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في منتجاتها وخدماتها. كما أن مخرجات مشاريع التحول الرقمي في المنظمات تهدف أساساً إلى المحافظة على التنافسية من خلال التحسين المستمر والابتكارات لخدماتها ومنتجاتها.

اجتهد كثير من الباحثين والممارسين في إصدار تعريف التحول الرقمي من زوايا عديدة حيث كان البعض يركز على المتطلبات التقنية بينما البعض الآخر ركّز على إحداث نقلة نوعية في المنتجات والخدمات باستخدام الأدوات التقنية الحديثة والمتجددة. من واقع الممارسة انظر إلى التحول الرقمي في المنظمات على أنه في الأساس يهدف إلى تقديم قيمة نوعية للمستفيد سواء المستفيد الداخلي أو شرائح العملاء المستهدفين. تقديم الخدمات النوعية يخلق ولاء طويل المدى للمستفيدين بغض النظر عن نوعيتها وطبيعتها؛ بل أبعد من ذلك سوف تسهم في ابتكار نماذج إبداعية وتجويد العمل والتوسع والنمو بشكل صحيح مبني على معطيات وبيانات دقيقة. تُستخدم التقنيات الحديثة ممكنناً أساسياً لخلق نماذج عمل تحقق تلك الأهداف. إذاً الأساس هو تقديم خدمة نوعية تساعد في التوسع والاستمرار إضافة إلى كسب ولاء العملاء بينما البيئات التقنية وجميع ادواتها لا تعدو كونها بيئة ممكّنة.

الورقة العملية في الرابط التالي حديثة وتستعرض أحد الاعمال المنهجية وفق أساس علمي حيث  تهدف إلى الخروج بتعريف موحد للتحول الرقمي  – Digital Transformation

https://doi.org/10.1016/j.technovation.2020.102217

من واقع تجاربي المستمرة رصدت عدة ملاحظات جوهرية حيال مشاريع التحول الرقمي في عدد من المنظمات أوجز منها أهم ثلاث ملاحظات في هذا المقال المختصر. 

الملاحظة الأولى: هناك عدد من المنظمات ركّزت على التقنيات الحديثة واستخدامها بطريقة تقنية بحتة. هذا التركيز كان بعيداً عن إعادة تقييم مستوى الخدمات الحالية والعمل على إعادة تصميمها بطرقة إبداعية مبتكرة بهدف إعادة تقديم تلك الخدمات بأشكال نوعية تحقق رضى جميع شرائح المستفيدين. 

في الواقع أن كل التركيز في هذه المشاريع كان موجهاً على استخدام تلك التقنيات وتطويعها لتقديم الخدمات للمستفيدين بنفس الشكل الحالي، ولكن بإضافة الأدوات التقنية. على سبيل المثال مشاريع اتمتة الخدمات التي تهدف فقط إلى تحويل العمل من ورقي إلى إلكتروني دون النظر في فاعلية الإجراءات في الأساس.

هذا النوع من المشاريع لا يُعد تحول رقمي مطلقاً كونه لم يقدم قيمة نوعية للمستفيد حيث أن التغيير الوحيد يكمن في القناة التي تقدم من خلالها تلك الخدمة بينما جوهر الخدمة لازال كما كان سابقاً ولم تقدم القناة التقنية الجديدة أي إضافة لمستخدميها؛ بل في أحيان كثيرة تخلق تحديات ومعيقات جديدة للمستفيدين لم تكن موجودة في الشكل التقليدي لتلك الخدمات. 

الملاحظة الثانية تكمن في التخطيط الاستراتيجي للمنظمات حيث يتم إدراج رؤى وأهداف فضفاضة للتحول الرقمي غير قابلة للقياس وغير مرتبطة بشكل مباشر في الغايات الأساسية للمنظمة. كما أن هناك منظمات تعتمد خطط إستراتيجية للتحول الرقمي مفصولة تماماً عن الخطة الاستراتيجية للمنظمة مما يخلق فجوة في التطبيق وذلك بسبب وجود أكثر من استراتيجية للمنظمة أحدها مخصصة للتحول الرقمي و اهدافها موجة حول استخدام التقنيات الحديثة بعيداً عن تقديم الخدمات النوعية للمستفيدين وهذا ما أشرت الية في النقطة السابقة.

الملاحظة الأخيرة هي عدم تبني الإدارات العليا في المنظمات مبدأ إعادة هندسة الإجراءات وتحسينها بهدف تقديم خدمات نوعية ومبتكرة للمستفيدين. قد يكون ذلك بسبب الرضى بالمستوى الحالي للخدمات وعدم الرغبة في التحسين. هذا يندرج تحت مقولة “الله لا يغير علينا”. هذا النوع صعب التعامل معه ويتطلب وقت طويل كونه يحتاج لتغيير قناعات وثقافة. والسبب الآخر هو الخوف من تبعات التغيير الذي يُعتقد أنه قد يحدث إرباك في تقديم الخدمات للمستفيدين. والحل لهذا التحدي بسيط حيث يكمن في بناء منهجية مرنة للتغير تشمل بيئات لاختبار الخدمات الجديدة والمحدثة وتقييم رضى المستفيدين من خلال التغذية الراجعة. وبهذا يكون التحسين والتغيير ضمن منهجية تضمن التحسين المستمر ولا تحدث خلل يؤثر على عمل تلك المنظمات. 

الخلاصة 

بعيداً عن التعقيدات المتزايدة حول مفهوم التحول الرقمي؛ لنعود إلى الأساسيات المتمحورة حول تقديم الخدمات النوعية للمستفيدين من خلال إعادة هندسة وتحسين الإجراءات وابتكار نماذج عمل من خلالها يمكن تقديم خدمات نوعية للمستفيدين باستخدام التقنيات الحديثة التي لا تعدو من كونها ممكن فقط وليست الغاية.

أسعد بمشاركة تجاربك في مشاريع التحول رقمي التي كان لها أثر إيجابي وهل تم الاهتمام في الأصل بتقديم الخدمات النوعية للمستفيدين عوضاً عن التركيز على الأدوات التقنية  واستخداماتها 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *