أخيراً وبعد جهد مستمر تم قبول المشروع والانتهاء من جميع الإجراءات النظامية المتبعة بالمنظمة المنتهية بتوقيع العقد. الجميع يبارك ويسأل الله العون والسداد. تم تحديد موعد اجتماع بداية المشروع Kickoff Meeting وارسلت الدعوات لفريق العمل. الجميع حضر والجو العام يسوده التفاؤل والبهجة. مدير المشروع استعرض نطاق واهداف المشروع والخطة المبدئية والتحديات المتوقعة وبعض الحلول المقترحة. مالك المشروع علق على أهمية المشروع والمسؤل الأول في الجهة المستفيدة القى خطبته العصماء مؤكداً أهمية نتائج هذا المشروع- وكل المعتاد تتكر جملة “هذا المشروع مفصلي ومهم للغاية” – وأعطى جرعة من كلمات التحفيز التي في غالبها مستهلك ومكرر!
مدير المشروع علق على تلك الخطبة العصماء واكد التزام الجميع لتحقيق اهداف المشروع وأعلن البداية الفعلية للمشروع باستعراض فرق العمل وتحديد بعض المهام الأولية. مضى الوقت سريعاً وفي نفس المكان بعد أشهر قليلة تم عقد اجتماع طارئ وفي نفس القاعة ومع نفس الأعضاء الذين حضروا اجتماع بداية المشروع، ولكن الجو كان هذه المرة متوتر والجميع أحضر معه العدة والعتاد واستعد للإجابة عن أي سؤال كون الاجتماع هدفه تحديد مكمن الخلل في المشروع ومناقشة أسباب تأخر تسليم بعض المهام. الإجتماع كان عبارة عن عواصف متكررة من اللوم والتبرير والشد والجذب تخلل تلك العواصف استعراض حلول سريعة لضمان استمرار المشروع وإيقاف موجات التصعيد للإدارة العليا.!!
تخيل معي عزيزي القارئ هذا السيناريو الذي ازعم أن جميع من عمل في مشاريع تقنية المعلومات عاش كلا الحالتين السابقتين بين فرحة بداية المشروع وبين خيبة الامل المتكررة خلال مراحل تنفيذ المشروع. لن اناقش في هذا المقال الأسباب الشائعة لفشل بعض مشاريع التحول الرقمي وخروجها عن المسار (ولعلي اتطرق لذلك مستقبلاً من واقع خبرتي في مشاريع التحول الرقمي)
ولكن في هذا المقال آثرت أن اتطرق له من زاوية أخرى وهي تحديداً تتلخص في السؤال التالي:
كيف احافظ على مستوى التحفيز الذاتي لدى أعضاء فريق تنفيذ مشاريع التحول الرقمي؟
أرى أن مراعاة التحفيز الذاتي لدى أعضاء فريق العمل أكثر عمقاً في التأثير على سير مشاريع التحول الرقمي واستدامتها. كما أعتقد أنها من أحد أركان القيادة الرقمية التي تعد مطلب أساسي لأي مشروع. العناية بتطبيق منهجية التحفيز الذاتي لفريق العمل التقني يسهم في تعزيز المسؤولية لدى جميع الأعضاء ويساعد في ضمان نجاح وتحقيق الأهداف المرسومة لأي مشروع والتي بدورها تحقق مستهدفات المنظمة ضمن بيئة عمل تتسم بالتحفيز المتجدد.
التحفيز الذاتي كما ذكرت سوزان فاولر يعتمد على ثلاثة اركان رئيسية اسردها هنا في سياق مشاريع التحول الرقمي والتي مارستها وطبقتها في عدد من المشاريع والتي بفضل الله أثرها الإيجابي ممتد إلى الآن:
- تأسيس الاختيار
يتميز أعضاء فريق مشاريع التحول الرقمي بامتلاكهم خبرات متراكمة من مشاريع سابقة. كما يتميزون كذلك بقدرتهم على البحث والتعلم المستمر. فتجدهم دائماً يبحثون عن أفضل الطرق والأدوات ويمتلكون بيئات خاصة لاختبار الحلول الجديدة. هذه الميزة قد لا يتم الانتباه لها من مدراء المشاريع ويتم فرض منهجية عمل معينة وخطة عمل محددة وهذا بدوره يؤثر بشكل سلبي على أعضاء الفريق الذي يرى في نفسه القدرة والمهارة للمساهمة في تخصيص منهجية العمل وكذلك خطة المشروع بنية التعاون في رسم طريق الوصول للهدف المنشود بالاستفادة من خبراتهم المتراكمة. عند تجاهل ملاحظات واراء فريق العمل في بداية المشروع سوف يؤثر سلباً على مراحل تنفيذ المشروع بينما في المقابل إذا تم الاخذ بهذه الآراء ومناقشتها فسوف تعزز مسوى الشفافية ومشاركة المسؤولية لدى الفريق كون الجميع أسهم بخبراته ومارس حق الاختيار ضمن نطاق المشروع. لتأسيس حق الاختيار لدى فريق مشاريع التحول الرقمي من الضروري إشراكهم في جميع مراحل تخطيط المشروع وأن يترك لهم مساحة لاستعراض الخيارات المتاحة وتحديد أفضل الحلول وقت التنفيذ استناداً لتكامل الخبرات بين اعضاء الفريق. هذا السلوك سوف يعزز الإحساس بالمسؤولية كون الجميع لديه حرية الاختيار، ولكن في نفس الوقت يتحمل مسؤولية نجاح المشروع والتي يشارك فيها جميع أعضاء الفريق.
- تأسيس التواصل
خلال مسيرتي العملية الممتدة أكثر من ٢٠ سنه لاحظت ضعف التواصل بين فرق العمل وبالذات في مشاريع الربط بين الأنظمة Integration Projects والجميع ينفذ المطلوب منه دون مراعاة الاخرين. كما لاحظت أن هناك من عينة من المهندسين الاكفاء يكتفون بنفيذ المطلوب منهم دون فهم أثر عملهم في السياق العام للمنظمة. بل البعض منهم يرى الخلل ولا يساهم في طرح الحلول بالرغم من امتلاكه قدرات ومهارات نوعية. السبب ببساطة أنه لا يشعر بالانتماء وغير مستوعب للصورة العامة لتوجه المنظمة ويرى نفسه مجرد منفذ للعمل المطلوب منه فقط.
المطلوب من القادة الرقميين فهم هذه النقطة الجوهرية وتعزيز قيم التواصل بين أعضاء الفريق. من الإجراءات العملية لتأسيس التواصل فهم قيم كل عضو من أعضاء الفريق وربطها بقيم المنظمة ووضعها في سياق المشاريع التقنية بهدف تعزيز الانتماء وخلق معنى لكل فرد من أعضاء الفريق. هذا بدوره سوف يؤثر ايجاباً على عطاء الجميع كونه يرى أثر عمله اليومي ويجتهد في تجاوز أي تحديات تقنية خلال تنفيذ المشروع ايماناً منه أن لهذا العمل معنى على المستوى الشخصى وكذلك على مستوى المنظمة ويستشعر دوره وأهميته كمهندس ذو أثر فاعل وإيجابي بالمنظمة. هذا الاجراء الجوهري سوف يحقق رضى داخلي لجميع أعضاء الفريق ويكون مصدر للتحفيز الذاتي المستمر
- تأسيس الكفاءة
يغادر المتخصصين في التحول الرقمي أي بيئة عمل لا تضيف له شيئ. الجميع مدرك أنه لابد أن يكون في مسار نمو مستمر ومستوى تحدي يحقق الشعور بالفاعلية. لازلت اذكر أحد المواقف مع أحد المهندسين عند بداية أحد مشاريع التحول الرقمي حين قال لي “لا املك المهارة اللازمة للمساهمة في هذا المشروع” وكان ردي مباشرة هي فرصتك للتعلم فقط أرني الالتزام والاهتمام والرغبة وسوف أكون داعم لك. فعلاً عند توفر بيئة تساعد على الكفاءة والنمو تجد الجميع متحفز ذاتياً كونه يعمل ويستثمر في آن واحد. ولتعزيز الكفاءة أرى أنه من الضروري تخصيص معمل لتجربة واختبار وتقييم الحلول الجديدة وإعطاء الجميع فرصة مشاركة الحلول مبتكرة وحساب المخاطرة بشكل يضمن الحفاظ على سير العمل. وجود بيئة عمل تدعم التعلم المستمر تسهم في الشعور بالإشباع والنمو والتوق للازدهار لجميع أعضاء الفريق وهذا بدورة يسهم في تعزيز التحفيز الذاتي.
الخلاصة
تعزيز حرية الاختيار وجودة التواصل و تعزيز الكفاءة هي مكونات التحفيز الذاتي التي لابد أن تؤخذ في الاعتبار ضمن منهجيات القيادة الرقمية لضمان تحقيق مستهدفات مشاريع التحول الرقمي.
اسعد بمشاركة رأيك حول كيفية تعزيز التحفيز الذاتي لفريق التحول الرقمي.