آثرت أن تكون البداية لهذا المقال مع سرد مختصر جداً لمقتطفات من مشهد يومي لأحد الإداريين؛ هذا المشهد الكلاسيكي لاحظته كثيراً وتقريباً في كل الأماكن التي عملت بها طيلة العشرين سنة الماضية. لنستعرض هذا المشهد سوياً بتأمل بهدف استنتاج الفكرة الرئيسية التي تدور حولها هذه التدوينة.
- كانت الساعة التاسعة والربع وفي طريقة لمكتبة؛ تواصل هاتفياً مع سكرتيره الخاص وطلب منه تجهيز التالي:
- كشف الحضور والانصراف للموظفين لديه
- جدول أعماله اليومي
- تقرير سير أحد المشاريع
- حضر إلى مكتبة الساعة التاسعة والنصف وطلب كوب قهوته المعتاد
- خلال احتسائه قهوته الصباحية ومحاولته لبدء يومه العملي لاحظ التالي:
- تأخر غالبية الموظفين في الحضور الصباحي
- لم يحضر إجتماع كان مجدول الساعة ٨:٣٠ ص
- عدم جاهزية تقرير المشروع
- تغير المزاج !! ومباشرة طلب إجتماع فوري مع فريق عمله وكان من أبرز الملاحظات – التي ذكرها لهم وبصوت عالي والغضب يسيطر عليه – التالي :
- أنا غير راضي عن أداء الفريق !
- الكل تقريباً حضر متأخراً !!
- التقرير لم ينجز في موعده !
- هناك فوضى عارمة ولا أحد مهتم بعمله !
- أستطيع أن استبدلكم بفريق أكثر اهتمام وكفاءة !!
- اعتبروا هذا الاجتماع إنذار وسوف احاسبكم !
- إنتهى الاجتماع العاصف والمفاجئ وخرج الجميع محبط وهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل
ملحوظة: القهوة انسكبت وتأثر لبسه وجميع الأوراق على المكتب لكن جهاز الكمبيوتر المكتبي كان بعيداً على طاولة أخرى !!
هذا المشهد البسيط يحمل في طياته دروس كثيره على سبيل المثال لا الحصر:
- هذا الإداري لا يمثل قدوة كونه حضر متأخراً علاوة على أنه لم يحضر إجتماع مجدول ٨:٣٠ ص
- ظهر جليا أنه غير قريب من فريق عمله ويتعامل معهم بفوقية
- عدم تحمل المسؤولية وإلقاء اللوم على فريق عمله
- لم يبحث عن الأسباب بشأن تقرير المشروع
- لا يوجد لديه أنظمة تقنية تساعده على متابعة سير المشاريع
- لا يتمثل ما يقوله لفريقه كونه يطلب الحضور ومبكراً على عكس سلوكه !!
الإداري والقائد الحصيف المحترف يعرف أن فريقه من أهم الموارد لديه التي من خلالها يستطيع أن يحقق مستهدفات المنظمة. هذا النوع من القادة المتميزين هم بالضبط على عكس الحالة التي أشرنا اليها أعلاه؛ كونهم عند حضورهم لمقر عملهم يدور في ذهنهم غالباً افكاراً حول كيفية تهيئة الظروف لفريق عملهم بحيث ينعمون بالحيوية خلال عملهم اليومي وذلك بوضوح مهام عملهم واكتمال المعلومات لإنجازها. إضافة إلى خلق بيئة عمل بعيده عن الضغط مما يسهم إيجاباً في جودة إنتاجهم كما يوفر لهم شعور الامتنان والراحة في نهاية اليوم وذلك إزاء ما تم إنجازه.
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أن هذا الطرح مثالي، ولكن أؤكد أني شخصياً عملت مع قياديين يحملون مثل هذا الفكر الرائع، بل وأكثر. وكنت أتساءل ما هو السّر خلف ذلك، بل وكنت اقارن بين أداء عدد من القادة ونتائج أعمالهم وقوة تأثير البعض منهم وضعف البعض الآخر.
وبعد والملاحظة المستمرة والقراءة وجدت أن السّر خلف ذلك يكمن في أن هؤلاء لقادة المتميزون فهموا جيداً أن القيادة معنية بماذا يفعلون كونهم يشكلون قدوة لجميع أعضاء فريقهم. إنهم استوعبوا بعمق أن الألقاب لا تشكل شيء، بل تصرفاتهم هي كل شيء وهي التي تحدث الفارق والأثر الدائم وأن احترام فريقهم لهم مصدره سلوكهم كقادة وإداريين. بذلك خلقوا أثر وحققوا نتائج وتجاوزوا العقبات بدعم فريقهم الذي رأى فيهم كقادة القدوة كون افعالهم تصدق اقوالهم مما خلق انسجام بينهم انعكس إيجاباً على تحقيق المستهدفات بمنظماتهم التي ينتمون اليها.
كتاب تحديات القيادة لمؤلفية كوزيس و بوسنر ذكر أن القيادة علاقة بين القادة والتابعين حيث أن أساس تلك العلاقة يعتمد على المصداقية. الرابط التالي لمقطع يوضح فيه البروف بوسنر أحد مؤلفي الكتاب نتائج الدراسة التي بني عليها المحتوى الرئيسي للكتاب. ( ركز في آخر جملة اختتم بها بوسنر في هذا المقطع)
الخلاصة
المصداقية هي أساس القيادة التي لا يمكن بدونها تحقيق أي تقدم فعلي ونتائج نوعية وخلق أثر يدوم.
يسعدنا مشاركتك بتجاربك لأمثلة قيادة فهمت أساس القيادة وكان له أثر على سلوكك القيادي.