د. نايف عبدالله مخايش

التحول الرقمي | القيادة الرقمية | التقنية

متطلبات أساسية قبل البدء في مشاريع التحول الرقمي

في الآونة الأخيرة برز مفهوم التحول الرقمي بشكل واضح ومرّت جميع المشاريع التي تندرج تحت هذا المفهوم باختبار قاسي ومفاجئ خلال ازمة كورنا. هذا الاختبار كان محكّاً اساسياً، بل ومنعطف ساعد في إعادة تقييم كثير من الممارسات، مما أدّى إلى تغيير كثير من المفاهيم والقناعات على عدة مستويات حول أهمية التحول الرقمي وضرورة إدراجه ضمن الخطط الاستراتيجية للمنظمات بشكل أساسي وليس مجرد كلمات رنانة واهداف فضفاضة غير قابلة للقياس.

في مقال سابق تحدثت من واقع تجربتي المستمرة عن بعض الملاحظات الجوهرية لمشاريع التحول الرقمي

مقال هذا الأسبوع يدور حول عدد من المتطلبات الأساسية التي لابد من توفرها وبجودة عالية قبل البدء بمشاريع التحول الرقمي. هذه المتطلبات هي بمثابة المواد الخام الأساسية حيث أن توفرها مع مستوى جودتها سوف تنعكس على المُخرج النهائي لمشاريع التحول الرقمي التي هي في الأساس تهدف إلى تقديم قيمة مضافة للعميل داخل وخارج المنظمة. في النقاط التالية استعرض مختصر هذه المتطلبات من واقع تجربتي.

أولاً: لبناء وتنفيذ مشروع تحول رقمي لابد من وضوح رؤية المنظمة ومستهدفاتها. كثير من الخطط الإستراتيجية بُنيت حول رؤية فضفاضة غير قابلة للقياس. لتحكم على رؤية المنظمة حاول أن تجد إجابة واضحة لعدد من الأسئلة مثل: ماهي الوجهة المراد الوصول لها؟ لماذا تم تحديد تلك الوجهة ؟ هل تلك الوجهة امتداد للوضع الحالي أم هي تغيير جذري؟ ولماذا؟ وهل الطريق واضح للوصول لتلك الوجهة أم أن هناك مراحل تجربة واستكشاف يتخللها تقييم مستمر؟ و هل هناك إطار زمني للوصول لتلك الوجهة؟

وضوح الرؤية يساعد المختصين في التحول الرقمي من تقييم واختيار أفضل الطرق لتحقيقها كون التقنية سوف تكون بمثابة أداة وليست الغاية. الواقع أن هذه الرؤية هي المدخل الأساسي للبنية المؤسسية المعنية في الأصل بردم الفجوة بين متطلبات المنظمات لخدمة عملائها حسب نطاق عملها مع ما تملكه من البنى التحتية التقنية كمورد وممكّن لبناء خدماتها ومنتجاتها.

ثانياً: تكامل البنى التحتية والتي تشمل جميع الأنظمة التقنية والتطبيقات، وقواعد البيانات، وأمن المعلومات وحوكمتها. هذا المتطلب تقني بحت ويهدف إلى وجود عنصر الربط بين الأنظمة التقنية بما يحقق عدة اهداف مثل وجود مصدر موحد وموثوق للبيانات. على سبيل المثال يوجد للأسف في بعض المنظمات أكثر من نظام خدمة عملاء CRM أو أكثر من منصة لتقديم الخدمات للمستفيدين. أحد أهم التحديات التي تواجهها عدد من المنظمات هو تعدد هذه الأنظمة التقنية والبوابات الالكترونية التي توفر عدد كبير من الخدمات الالكترونية وبشكل رائع في ظاهرها؛ ولكن تفتقر هذه الأنظمة إلى الربط حيث يلاحظ تكرار البيانات وعدم اتساقها إضافة إلى وجودها في عدد من مراكز البيانات التي تُدار من عدة فرق ينتمون لعدة إدارات وهذه احد المعضلات الشائعة يطلق عليها Shadow IT  والتي سوف نسلط الضوء عليها لاحقاً.

ثالثاً: جودة البيانات أياً كان نوعها تعد متطلب جوهري كون هذه البيانات سوف تكون بمثابة المادة الخام التي سوف يتم العمل عليها للخروج بمعلومات تفيد صانع القرار؛ بل تساعد في تقديم خدمات مبتكرة. على نفس سياق المثال السابق اكتمال بيانات العملاء مثل العنوان ونوعية الطلبات المتكررة سوف يساعد في اتخاذ قرار القيام بحملة تسوقية أو فتح فروع جديدة لخدمة عملاء في منطقة محددة لوجود كثافة أو حتى تكييف العقود المعنية بالخدمات اللوجستية حسب بيانات البيع ونوعية العملاء والمنتجات. ولك أن تقيس على هذا المثال في سياق أي منظمة أيا كان نشاطها.

رابعاً: وضوح سياسات أمن المعلومات وحوكمة تنفيذها والتي تساعد في ضمان سير مشاريع التحول الرقمي على المسار الصحيح من البداية بحيث تكون هذه السياسات داعمة وليس معرقلة. على سبيل المثال تحديد مستويات الخصوصية ومشاركة البيانات مع جهات خارجية يساعد في أخذ عدد من القرارات التفصيلية عند بناء أي مكون تقني معني بالربط مع أنظمة خارجية مثل البنوك او أنظمة الموردين.

خامساً: وجود فريق عمل متجانس ومستوعب بشكل تفصيلي لجميع المتطلبات السابقة. نجاح هذا الفريق يتطلب قيادة حكيمة مرنة تؤمن أن العنصر البشري هو رأس المال الحقيقي وأن استقطاب الكفاءات وتمكينهم في ضوء إجراءات عمل واضحة ومستهدفات مرسومه يُعد أمراً بالغ الأهمية لإنجاز مشاريع التحول الرقمي ضمن رؤية المنظمة والقيم المشتركة بين أعضاء الفريق والمنظمة.

بعد اكتمال هذه المتطلبات يمكن البدء في دورة عمل مشاريع التحول الرقمي التي بدايتها عادة يكون من أحد دورات عمل البنية المؤسسية والذي يهدف في الأساس إلى تطويع البنى التحتية التقنية لتحقيق مستهدفات المنظمة وبأقل التكاليف دون الغوص في هرطقات النمذجة والتخطيط التفصيلية ذات الأثر المحدود. ولأهمية مشاريع البنية المؤسسية سوف اخصص لها عدة مقالات لاحقاً بحول الله.

الخلاصة

قبل البدء في مشاريع التحول الرقمي لابد من وضوح رؤية المنظمة ومستهدفاتها بحيث يتم العمل على تحقيقها من خلال تطويع البنى التحتية المتكاملة والتي تحتوي على بيانات ذات جودة عالية يتم الحفاظ عليها من خلال سياسات أمن معلومات يدير هذا كله وأكثر فريق عمل متجانس طموح يحمل قيم مشتركة و مؤمن بقدرته على الوصول لرؤية المنظمة التي ينتمي لها و يحقق اهدافها بكفاءة.

هذه المتطلبات هي من واقع خبرتي أسعد بمشاركتك لإضافة أي متطلبات تراها من متطلبات مشاريع التحول الرقمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *