يمكن تصنيف المشاريع التقنية إلى صنفين رئيسية. الصنف الأول يشمل مشاريع الصيانة والتطوير Maintenance and Operation Projects لأنظمة تقنية قائمة حيث يهدف إلى الحفاظ على الأداء والتكيف مع المتغيرات الواردة من المستفيدين لهذه الأنظمة. هذا النوع من المشاريع يطغى عليه جانب التحسين والتطوير المستمر. من أكثر المهام تحدياً هي مهام إعادة هندسة وبناء بعض أجزاء الأنظمة القائمة وذلك لعدة أهداف مثل التوافق مع تقنيات جديدة أو تحسين كفاءة وسرعة الأداء.
هذا النوع من المشاريع له تحديات خاصة تعتمد على بيئة العمل ومتطلبات المستفيدين وسرعة الاستجابة للتغيير. ينجح هذا النوع من المشاريع إذا كان هناك إطار عمل مرن يضمن تحقيق متطلبات التحسين المستمر إضافة إلى وجود مسار تطوير واضح يشمل محطات متعددة لتقديم خدمات نوعية للمستفيدين تتسم بالتجديد، والمرونة، وسهولة الاستخدام، والفاعلية. كما أن ثقافة المنظمة والفكر القيادي السائد للمنظمة يلعب دور أساسي لنجاح هذا النوع من المشاريع.
الصنف الثاني من المشاريع التقنية يندرج تحت مظلة استحداث أنظمة جديدة Green Field Projects بهدف تلبية متطلبات جديدة للمستفيدين لم تكن موجودة مسبقاً وتتوافق مع الخطة الاستراتيجية للمنظمة. في هذا النوع يتم الاعتماد على دورة التطوير التقليدية التي تبدأ بجمع المتطلبات ودراستها وتحليلها ومن ثم إتخاذ قرارات التنفيذ والتطوير وصولاً إلى مراحل الاختبار والتشغيل والدعم. الشكل التالي يوضح المراحل التقليدية للمشاريع بغض النظر عن المنهجية المتبعة في التنفيذ والتي سوف اتحدث عنها مستقبلاً في عدة مقالات بحول الله.
في النوع الثاني من المشاريع (Green Field Projects) يمكن تطبيق منهجيات العمل الرشيقة Agile والتي تضمن إلى حدٍ ما سرعة التنفيذ بالاعتماد على مبدأ تقسيم الاعمال المطلوبة والتركيز على إنجاز أكثر الاعمال أهميةً مع التحسين المستمر. ثقافة المنظمة وفلسفة إدارة الفريق أيضاً تلعب دوراً مهماً في هذه المشاريع التي تتطلب مرونة عالية خلال التنفيذ والتي يمكن العمل على تحقيق مكاسب سريعة لكسب ثقة المستفيدين وتعزيز روح الإنجاز لدى الفريق التي من شأنها خلق زخم كبير لتحقيق الهدف من تطوير هذا المشروع والوصول إلى الأهداف المنشودة ضمن إطار مستهدفات الخطة الاستراتيجية للمنظمة.
المكاسب السريعة تكون سهلة إلى حدٍ ما إذا كان المشروع يهدف إلى تطوير تطبيق أو نظام الكتروني جديد وذلك لوجود عدد من إطارات العمل التي يمكن الاعتماد عليها من خلال إعادة استخدام بعض اجزائها المطورة مسبقاً. على سبيل المثال إذا ارادت منظمة متوسطة أو صغيرة تطوير منظومة الكترونية تشمل عدة خدمات موجهة لموظفيها فإنه يمكن وفي وقت وجيز إنجاز هذا النوع من الأنظمة إذا تم الاعتماد على أحد إطارات العمل المرنة التي تصنف تحت مجال (ERP) Enterprise Resource Planning. السر في ذلك أن إطارات العمل في هذا المجال صممت وبنيت على مبدأ اصيل في هندسة البرمجيات يطلق عليه إعادة الاستخدام مع التخصيص Reusability with Customization. في الواقع هذا النوع من الأنظمة تم تصميمها وبناؤها لتحقق نطاق واسع من المتطلبات العامة مثل متطلبات الموارد البشرية، المالية، التوظيف، المخازن، نقاط البيع ، المشتريات …الخ. ويمكن تخصيصها وإعادة استخدامها حسب متطلبات وسياسات كل منظمة. وفي حالات أخرى تكون المتطلبات بدائية وسهلة يمكن تنفيذها باستخدام إطارات عمل عامة، بل قد ينفذها مهندسون لا يتطلب امتلاكهم خبرة تقنية طويلة.
إغراء الإنجاز وتحقيق المكاسب السريعة قد يعمي الأنظار عن فكرة الاستدامة لهذه الأنظمة. كون التركيز يكون منصباً في الغالب على هذه الأنظمة وإهمال الية التكامل والتوافق مع الأنظمة القائمة أو حتى المستقبلية حسب الخطة الاستراتيجية للمنظمة. كما قد يكون الوضع كارثياً إذا تم اعتماد وتنفيذ هذا النوع من المشاريع بعيداً عن أهل الاختصاص في المنظمات ممثلة في إدارة واقسام تكنلوجيا وتقنية المعلومات. وفقت شخصياً – ضمن عدد من الاستشارات التقنية – على عدد من الحالات الحرجة لعدد من المشاريع التي تم اعتمادها وتنفيذها وتشغيلها من إدارات واقسام ليس من مهامها اعتماد المشاريع التقنية. حيث كانت الأهداف في بداية المشاريع نبيلة و إغراء الإنجازات والمكتسبات السريعة طاغي جداً على المشهد مما سبب على المدى البعيد تحدي كبير جداً على المستوى التقني والمالي لضمان تشغيل هذه المشاريع واستدامتها لتقديم الخدمات المرجوة منها للمستفيدين ضمن تلك المنظمات.
قد يتساءل غير المختصين لماذا يُعد ذلك تحدياً بالرغم من تحقيق المكاسب والمنجزات السريعة والوصول للهدف المرجو من هذه المشاريع التقنية. والجواب يكمن في تفاصيل تقنية دقيقة أوجز هنا بعضاً من التحديات التي في الغالب لا تكون ضمن نطاق هذه المشاريع في حال تم تنفيذها ولم يؤخذ في الاعتبار التكامل مع الأنظمة الحالية والمستقبلية أو نُفذت من أحد الإدارات بالمنظمة بعيداً عن مختصي تكنلوجيا وتقنية المعلومات.
من واقع تجاربي السابقة، لابد من تضمين النقاط التالية في المراحل الأولى لتخطيط هذا النوع من المشاريع بهدف ضمان استمرارية هذه المشاريع لتقديم الخدمات وإضافة إلى التحسين المستمر
اولاً: التكامل مع الأنظمة الحالية ومشاركة البيانات. لا يمكن لأي نظام تقني أن يعمل بكفاءة دون التكامل مع بقية الأنظمة الأخرى وتبادل البيانات فعلى سبيل المثال عند الدخول على ايميل العمل او أي نظام آخر لابد من التحقق من بيانات الموظف وصلاحياته والتي توجد في نظام تقني آخر بهدف توحيد المصدر وسهولة الصيانة والإدارة من المنظور التقني. إضافة إلى توحيد مصادر البيانات والتي لا يمكن إلا من خلال التكامل بين الانظمة التقنية.
ثانياً: أمن المعلومات تعد أهم وأكبر التحديات فكل منظمة لديها منظومة كاملة محكومة بسياسات تضمن المحافظة على البيانات وتحقيق معايير معينة تتطلب وقت وجهد قد تبطئ سير العمل في المشاريع الجديدة حيث تتطلب مهارات إضافية من فريق العمل المنفذ لهذه المشاريع.
ثالثاً: هناك تحديات أخرى كثيره يصعب حصرها في هذه التدوينة القصيرة، ولكن اختم بأهم تحدي وهو ضمان استمرارية التحسين والتطوير على هذه الأنظمة للتكيّف مع المتطلبات المتجددة للمستفيدين. كما ذكرنا في بداية هذا المقال أن النوع الأول من المشاريع التقنية تركز على الصيانة والتشغيل والتطوير حيث تعتمد هذه المشاريع على وجود أنظمة واضحة المعالم من الناحية التقنية. في المقابل النوع الثاني يتطلب دراسة المتطلبات بشكل دقيق بحيث يتم إضافة هذا النظام التقني الجديد إلى بقية أجزاء المنظومة التقنية ليعمل معها بتكامل لتقديم الخدمات للمستفيدين ضمن نطاق المشروع العام.
تخيل معي السيناريو التالي لنظام تم تنفيذه وتحقيق مكاسب سريعة من خلال الاعتماد على أحد إطارات العمل المتوفرة وانتهت فترة تنفيذ المشروع دون رسم خطة التطوير والدعم والتحسين على المدى البعيد او الدمج مع الأنظمة الحالية للمنظمة!!. كيف سيكون وضع المستفيدين ومستوى رضاهم مستقبلاً عن هذا النظام الذي أُنجز في وقت قصير. قد يكون الحل في البدء مباشرة في مشروع دعم جديد لهذا النظام والبدء في وضع خطة التطوير وقد يكون حلاً بديهياً، ولكن ما الذي يضمن أن التقنيات المستخدمة متوافقة في الأصل مع السياسات التقنية المعتمدة بالمنظمة. السؤال البديهي لماذا لم يتم إضافة هذه المتطلبات الأساسية ضمن نطاق المشروع منذ البداية والاخذ في الاعتبار التفاصيل التقنية الدقيقة التي تمت الإشارة لبعضها مثل التكامل مع الأنظمة الحالية، وتوفير الوقت، والجهد، والمال. الجواب يكمن في بريق وسحر المكاسب والإنجازات السريعة.
هذه المشاريع ذات المكاسب السريعة هي مثل بعض الاكلات الشعبية (الكشري ، السليق، المنسف، الدولمة، العصيدة و الدغابيس) لا يتطلب مهارات شيف عالمي لتحضيرها و طبخها كما أن اكلها في البادية ممتع ولذيذ ولكن في الغالب تسبب عسر هضم !!
الخلاصة
لا تغتر بسحر المكاسب السريعة في المشاريع التقنية والتي يمكن تحقيقها بكفاءة عالية إذا ما أُخذ في الاعتبار من البداية مبدأ الاستدامة والتكامل من الأنظمة القائمة إضافة إلى تمكين اهل الاختصاص أصحاب الخبرة الذين يمسكون بزمام الأمور فهم يتعاملون مع تعدد الأنظمة التقنية مثل الفرقة الموسيقية التي تعزف بتكامل أحلى الالحان ويحرصون أن أي إضافة لا تكون نشازاً.
شاركنا برأيك هل عملت في مشرع حقق مكاسب سريعة كان أثرها عكسي على المدى البعيد وكان سبب عسر هضم !!