د. نايف عبدالله مخايش

التحول الرقمي | القيادة الرقمية | التقنية

للأسف بعد سنة لم تُحقق النتائج المتوقعة … لماذا؟

مبدع وصاحب شخصية ذات كارزما رائعة متسلحة بالعلم والفهم العميق لتخصصه الدقيق. تم الوثوق به وتكليفه بمنصب قيادي. تسلم منصبة بكل ثقة وحماس وتوجه لمكتبه الجديد يحدوه الأمل في تحقيق نتائج نوعية ويكون أهلاً للثقة التي حصل عليها. في الواقع كان لديه تصور مُسبق عن المنظمة وطُلب منه تحقيق عدة مستهدفات. أمضى يومه الأول في التعرف على فريق مكتبه وطلب هيكلية المنظمة وبعض التقارير كما تعرّف على القيادات واخذ جولة سريعة على عدة إدارات. خلال اسبوعه الأول ينام متأخراً جداً كونه يمضي جُل ليله في فهم الهيكلية ومراجعة التقارير والتخطيط للتغيير بهدف صادق ونبيل وهو تحقيق المستهدفات التي طُلبت منه والتي تعد المعيار الأساسي لتقييمه واستمراره أو الترقي لمنصب أعلى. خلال الشهر الأول استخدم صلاحياته وأصدر عدة قرارات غيرت معالم المنظمة وتسببت في إرباك للعمل. خلال الشهرين الأولى انتهت المجاملات من مدراء الإدارات وبدأت إشكاليات متعددة معظمها بسبب القرارات المبكرة التي اتخذها هذا القائد الشغوف. بسبب تلك الإشكالات التي تظهر تباعاً انغمس في حلها وفي عواصف الاعمال اليومية الروتينية والتي استنزفت جهدة ووقته وطاقته الفكرية للتطوير. مرت السنة الأولى ولم تحقق النتائج المرجوة ولم يكن هناك رضى عن أدائه حيث اتهمه البعض بعدم المعرفة الكافية لمجال العمل والبعض الآخر اتهمه في تسرعه الدائم بالرغم من شغفة المتقد لتحقيق التغيير المنشود ولكن للأسف لم يصل لذلك.

هذه القصة القصيرة أكاد أجزم أنها مرت على الكثير وشخصياً عشتها مراراً متعدد خلال فترة عملي بالقطاع الخاص والحكومي. بالتمعن في هذه الوصف المختصر لهذه التجربة وبدون الدخول في التفاصيل الدقيقة يتضح جلياً درس مهم للغاية وهو لتحقيق نتائج نوعية والوصول لمستهدفات المنظمة لابد من أخذ إدارة التغيير ضمن الأدوات لتحقيق تلك النتائج والمستهدفات. السرعة في اتخاذ القرارات دون بناء الفريق وفهم المعطيات الحالية والتحديات وطبيعة ثقافة المنظمة هي أهم وأكبر أخطاء القادة الذين يأتون من خارج المنظمة. كل عملية تغيير تتطلب وقت وتحتاج إلى مقومات أهمها إعادة صياغة القيم وتحديد الوجهة وبناء الفريق الذي يؤمن بذلك مع تمكينه وتسهيل مهمته كل هذا يتطلب تبنّي وتطبيق إدارة التغيير. 

تركيزي في هذا المقال الأسبوعي على ضرورة تبني منهجية محددة لإدارة التغيير وذلك لتحقيق نجاح فعلي على أرض الواقع. هناك عدة منهجيات للتغيير سوف اتطرق لواحدة منها فقط كوني طبقتها فعلياً دون التنظير بها لفريق العمل وحققت نتائج رائعة بفضل الله وتوفيقه. هذه المنهجية هي منهجية Prosci والتي تتلخص في ثلاث مراحل : التحضير للتغيير ، إدارة التغيير ، تأكيد وتأصيل استمرار التغيير. سوف اركّز باختصار على أهم مفاهيم مراحل إجراءات إدارة التغيير والمتمثلة في خمس إجراءات حسب الشكل التالي: 

التوعية Awareness

خلال هذا المرحلة يتطلب رسم الصورة الذهنية للقادم الاجمل وبناء التحالفات لتحقيقه. هنا يأتي العمل على المشاعر وتجسيد أهمية التغيير ومدى الاستفادة على المستوى الشخصي. في رأيي لنجاح هذه الخطوة يتطلب بناء فريق محدود العدد يستوعب أهمية التغيير بحيث يكونوا سفراء نبلاء في جميع إدارات المنظمة يوضحوا أهمية التغيير واسبابه. هناك أدوات كثيرة للتوعية تعددها مطلب، ولكن نجاحها يعتمد على وضوحها وتركيزها وتوقيت استخدامها.

خلق الرغبة Desire 

بعد التوعية بأهمية التغيير ورسم الوجهة الجديدة لابد من خلق الرغبة في المساهمة للوصول لتلك الوجهة وذلك بشرح الدور الفعال لكل فرد في المنظمة. كما أن توضيح مدى مصلحة واستفادة كل فرد من هذا التغيير وماذا سوف يكسب منه على كل المستويات سواءً المادية أو المعنوية. هذه المرحلة مهمة للغاية في بناء الثقة في توجهات المنظمة المتجددة التي لا يمكن أن تُتحقق دون جهود نوعية من جميع أعضاء الفرق. شخصياً كنت اردد مقولتين “القادم أجمل” و “نحن في قارب واحد نجدّف سوياً في نفس الاتجاه وبنفس القوة للوصول لذلك الهدف” وذلك بنية تأصيل مفهوم ضرورة التغيير. في هذه المرحلة لابد من إشراك الجميع وعدم إهمال أي عضو من أعضاء الفريق مهما كان دوره فالعمل تكاملي. هذه المرحلة تخلق حماسة للتغير والتبنّي له لكن لا تتفاجأ من وجود بعض التشكيك والخوف الذي يمكن أن يعالج في الاجراء التالي.

بناء المعرفة Knowledge 

بعد رسم الصورة الذهنية للهدف العام وبناء الرغبة لتحقيقه لابد من تمكين الفريق من خلال اكسابهم المعارف الأساسية لذلك. يأتي ذلك في عدة صور مثل اشراك الفريق في دورات تدريبية تطبيقية وليست تنظيرية. أحد الأفكار التي طبقتها للتغيير على المستوى التقني تلخّصت في إنشاء معمل للاختبار بهدف تطبيق مراحل التغيير على المستوى التقني في بيئة تحاكي البيئة الحقيقية مما اكسب أعضاء الفريق المهارة وتبديد أي مخاوف بل كان ذلك محفز للتطبيق والتوسع بصفة مستمرة.

 القدرة Ability

الفكرة الأساسية في هذه المرحلة تدور حول التمكين لفريق العمل للتنفيذ وخلق ثقافة الثقة وتحمل المسؤولية. قيادة الفريق تلعب دور كبير خلال خذه المرحلة لتجاوز أي عقبات أو آثار لنتيجة لعملية التغيير وبالذات في المراحل الانتقالية. خلال التنفيذ يكون الضغط كبير على أعضاء الفريق لذلك يتوجب على قائد الفريق الحفاظ على حماسة جميع الاعضاء وعدم الاستسلام عند أي عقبة وذلك بالرجوع إلى نتائج المراحل السابقة وتعزيزها. كما أنه يتوجب على قائد الفريق من تعظيم جهود الفريق والاحتفال بكل منجز مهما كان حجمة. تطبيق منهجيات الاجايل وممارسات القيادة الفعالة هي ممكن أساسي لنجاح هذه المرحلة.

التأكيد Reinforcement 

لضمان استمرارية التغيير ونجاحه لابد من الاهتمام الكبير بالتغذية الراجعة المدمجة مع آلية التقييم بهدف التحسين. هذه المرحلة يتم تجميع نتائج التغيير والتعلم من الدروس عند تطبيق التغيير والعمل على دورات أخرى جديدة للتغيير والتحسين بصورة مستمرة.

الخلاصة

التغيير هو الثابت الوحيد. الحماسة وحسن النية للتغيير وتحقيق المستهدفات لا تكفي مطلقاً، بل لابد من تبنى منهجية واضحة لإدارة التغيير وذلك لضمان الاستمرارية في تحقيق النتائج الإيجابية التي تنعكس على اداء المنظمة

اسعد بمشاركة رأيك حول أهمية تبني منهجية إدارة التغيير وبتجاربك حول فاعلية تطبيقها. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *